"ألا أنبئكم بخير أعمالكم، وأزكاها عند مليككم، وأرفعها في درجاتكم، وخير لكم من إنفاق الذهب والورق، وخير لكم من أن تلقوا عدوكم فتضربوا أعناقهم ويضربوا أعناقكم؟ قالوا: بلى، قال: ذكر الله تعالى".
هذا ما رواه أبو الدرداء عن النبي صلى الله عليه وسلم.
ذكر الله .. ولذكر الله أكبر
والذكر
مقرون باسمه، مِن ذَكَرَ يذكر فهو ذاكر؛ والذكر غير النسيان والغفلة، بل
هو عكسهما، والذكر علامة اتصال القلب بالرب.. ومراس ذكر القلب ذكر اللسان،
وهذا ما وجه إليه النبي صلى الله عليه وسلم: (لا يزال لسانك رطباً من ذكر الله).
لا
يزال رطبا من ذكر الله وفي جميع أحوالك: {الذين يذكرون الله قياماً
وقعوداً وعلى جنوبهم}، وهذا أدعى لحضور القلب دائما مع الله؛ وهذا ما يزكي
في النفس استشعار رقابة الله.
حضور
الله في القلب على الدوام أو على شبه الدوام يخفف حتى ضغط الحياة
وتقلباتها، فطالما استشعر الإنسان معية الله شعر بأن كل ما حوله وكل ما
أصابه إنما هو إرادة الله، فتراه يشكر الله عند الرخاء، وتراه يحمد الله
عند البلاء، فلا تراه يشتكي ألما بصدره ونفسه طالما أنه عن الله قد رضي،
فيعلم حينها أن كل ما كتبه الله له هو الخير ذاته.
وهنا
لا عجب أن يكون لكل شأن من شؤون حياتنا ذكر خاص به أو دعاء كما ورد عن
النبي صلى الله عليه وسلم، فللنوم دعاء وذكر، وللاستيقاظ دعاء، وللطعام
دعاء، وعند ولوج المنزل أو الخروج منه دعاء وذكر، وعند ركوب الدابة أو
السيارة دعاء، وعند النظر في المرآة دعاء، بل حتى عند لقاء العدو: {يَا
أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا
وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ}، وما بينها كلها
لسان رطب بذكر الله، {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيراً، وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلاً} وبعد ذلك تكون النتيجة: {ألا بذكر الله تطمئن القلوب}، القلوب وليس فقط الألسنة، الذكر المقرون بالشعور والاستحضار، استحضار وجود الله في كل أمر وفي كل حين.
بل إن الله عز وجل أمرنا ان نذكره كثيراً بعد العبادات والفرائض.. فبعد الصلاة يأمرنا الله بذكره قياماً وقعوداً وعلى أي حال: {فَإِذَا قَضَيْتُمُ الصلاةَ فَاذْكُرُوا اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِكُم} وكذلك بعد صلاة الجمعة: {فَإِذَا
قُضِيَتِ الصلاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ
اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ}.
وبعد الانتهاء من مناسك الحج: {فَإِذَا قَضَيْتُمْ مَنَاسِكَكُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَذِكْرِكُمْ آبَاءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْراً}.
وفي الصيام: {ولتكملوا العدة ولتكبروا الله على ما هداكم ولعلكم تشكرون}.
وهنا
يتنبه المؤمن الحصيف أن هناك ما يرضي الله ومطلوب منه على الدوام فلا يجوز
بحقه التقصير فيه، فالتواصل علامة الإيمان، وهو ذكرك لله على الدوام، أي
أنك ترتبط ارتباطا روحانيا سماويا علويا بين قلبك وبين حضور وجوب ذكر الله،
تشعر بأن الله معك، يراك ويسمعك، قريب منك، يجيب دعاءك، ويحقق رجاءك.
واعلم
أنه متى أطلق الله لسانك بذكره، فهذا دليل قرب قلبك منه، وحضور مكانتك بين
خاصته، ولما أراد لك الخير، جعل قلبك له ذاكراً، وعن غيره غافلاً، فبحر
الغفلة تمخره سفن الحضور، وسحائب العطاء تستمطرها فسائلُ الثناء، وكل قلب
خلا من ذكره مات في حقيقته، وحقيقة القلب ترتوي من حقيقة الحق، وهي أثرها
الحي في القلب النابض، فلا غرو بعد ذلك أن يكون القلب الخاوي كالبيت الخرب،
وبيت خربٌ لا يمكن لك أن تقيم فيه، ولا يمكن لشيء أن يطمئن فيه، فهو على
شفا جرف هار، أي فتنة تنكسه وتقلبه رأساً على عقب.
اجلس
مع نفسك لحظات وتأمل، وإن شئت فاكتب، كم لله من نعمة عليك، وكم لله من ستر
عليك، وكم لله من يد عليك، وكم لله من لطف بك، وكم من باب فتحه عليك من
حيث لا تحتسب، كم مرة أنجاك من الموت، وكم مرة دعاك إليه، وأرسل إليك من
يموت بجوارك لينبهك، يقول لك: أي عبدي، لا تأتني مُحمّلا بالذنوب، هذي
فرصتي أمنحها لك لتتوب، هذه رسالتي أنبهك بها قبل أن لا ينفع الندم.
بقلمى/محمدطلعت عبدالعزيز
____________________________________________________________________________
بقلمى/محمدطلعت عبدالعزيز
____________________________________________________________________________